السبت، 28 يوليو 2012

 الطريق السادس: الهجرة في طلب الرزق الحلال.

     لا يجوز للمسلم أن يتذرع بأنه متبطل أو متعطل لا يجد عملاً، لأنه في بلد لا يجد العمل فيه، فالسنة النبوية أمرته بالسفر في بلاد الله الواسعة، يبحث عن رزقه الذي قدره الله له، وفي ذلك يقولr: )سافروا: تصحوا، وتغنموا((3).

(1)    رواه ابن ماجه في الصدقات، باب القرض (2431) والطبرانى في الأوسط (رقم 6715)، والبيهقي في شعب الإيمان (رقم 3566) من حديث أنس، وفيه خالد بن يزيد بن أبى مالك، وهو ضعيف (التقريب 1/220) وله شاهد من حديث ابى أمامه، اخرجه الطبرانى، والبيهقي (الترغيب 2/40-41) وفيه عتبة بن حميد الضبى وهو صدوق له أوهام (التقريب 2/4).

(2)    رواه ابن ماجه في الصدقات، باب القرض (حديث 2430)، وأحمد مسند ابن مسعود (5/354)، الترغيب (رقم 464،465)، وابن عدى في الكامل (4/1476)، والطبرانى في الكبير (رقم10200)، وأبو يعلى في مسنده (رقم5008،5345) كلهم من حديث ابن مسعود. وصحح إسناده: الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لمسند أحمد (رقم3911)، والحديث صحيح بشاهده.

(3)    رواه الطبرانى في الأوسط رقم (7396)، والخطيب البخدادي في تاريخ بغداد _10/387)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/102)، والقضاعي في مسند الشهاب (رقم 662)، وابن عدى في الكامل (6/2198) كلهم من حديث ابن عمر، وفي سنده محمد بن عبد الرحمن بن رداد، ضعفوه (المغنى 5747). رواه ابن عدى في الكامل (3/1292) من حديث أبى سعيد، وفيه سوار بن مصعب وهو متروك (المغني رقم2701)، ورواه البيهقي في الكبرى (7/102) من طريق بسطام بن حبيب، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن ابن عباس به.

      وفي رواية: )سافروا: تصحوا، وترزقوا((1).

     وبينت السنة أنه إذا مات المسافر وهو في سفره بعيداً عن أهله، غريباً عن موطنه، باحثاً عن رزقه، فهو من أهل الجنة. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: مات رجل بالمدينة، ممن ولد بها، فصلى عليه رسول الله r ثم قال: )ياليته مات بغير مولده؟(، قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: r: )إن الرجل إذا مات بغير مولده، قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة((2).

     ومعنى منقطع أثره: أى إلى موضع قطع أجله، فالمراد بالأثر: الأجل، لأنه يتبع العمر، ويحتمل أن المراد: إلى منتهى سفره ... وظاهرة: أنه يبقى له في الجنة هذا القدر، لأجل موته غريباً، والله أعلم (3).

       ×         الطريق السابع: تحريم الاحتكار(4) منعاً للتحكم والاستغلال.

     وفي هذا يقول r: )لا يحتكر إلا خاطئ((5).

(1)     رواه عبد الرازق عن محمد بن عبد الرحمن مرسلاً (الجامع الصغير رقم4626) وحسنه السيوطى، ووافقه المناوى في فيض القدير (4/82).

(2)   رواه النسائي في الجنائز باب الموت بغير مولده (4/7-8) وابن ماجه في سننه (رقم1614)، وابن حبان في صحيحه (رقم2923)، وفي سنده: حي بن عبد الله المعافرى، وهو صدوق يهم، كما في التقريب (2/209).

(3)     انظر: زهر الربى على المجتبى للسيوطى (4/8).

(4)   قال ابن سيده: (الاحتكار: جمع الطعام ونحوه مما يؤكل، واحتباسه: انتظار وقت الغلاء به)، كما في لسان العرب: مادة حكر. وفي التكملة الثانية من المجموع شرح المهذب (13/46): الاحتكار: اختزان السلعة، وحبسها عن طلابها، حتى بتحكم المختزن في رفع سعرها، لقلة المعروض منها، أو انعدامه، فيتسنى له أن يغليها حسبما يشاء، وهذا حرام بالإجماع في ضرورات الحياة، مكروه في كمالياتها).

(5)     رواه مسلم في المساقاة، باب تحريم الاحتكار في الأقوات (11/43).

     والخاطئ: هو الآثم.

     قال النووى: (والحكمة في تحريم الاحتكار: دفع الضرر عن عامة الناس، كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام واضطر الناس إليه، ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه، دفعاً للضرر عن الناس)(1).

     وقد بلغ حرص رسول الله r على منع هذه الوسيلة من وسائل تنمية المال: أن جعل الاحتكار مبعداً للمحتكر من دائرة الدين، فقد قال: )من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى، وبرئ الله منه، وأيما أهل ععزصه(2) أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى((3).

       ×         الطريق الثامن: الاشتراك في ضروريات الحياة: الكلأ، الماء، النار.

     قررت السنة: أن الناس شركاء في ثلاث: يقول  r:  )المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار((4). ويقول  r:  )ثلاث لا يمنعن: الكلأ والماء والنار((5)، ويقول  r:  )لا تمنعوا فضل الماء، لتمنعوا به فضل الكلأ((6).

(1)     شرح النووى على مسلم (11/43).

(2)     قال ابن الأثير في النهاية (3/208): (كل موضع واسع لابناء فيه).

(3)     رواه أحمد (رقم4880) ونحوه البزار (كشف الأستار رقم1311)، والأصبهانى في الترغيب (رقم313)، قال الشيخ أحمد شاكر: (إسناده صحيح).

(4)     رواه أبو داود في البيوع، باب في منع الماء (حديث 3477) من حديث رجل من المهاجرين. قال ابن حجر: (ورجاله ثقات). ووافقه الصنعانى "بلوغ المرام بشرحه سبل السلام (3/86)".

(5)   رواه ابن ماجه في الرهون باب المسلمون شركاء في ثلاث، من حديث أبى هريره (رقم2472)، قال الصنعانى في سبل السلام (3/86): (بإسناد صحيح)، وصححه السيوطي في الجامع الصغير (حديث 3485)، ووافقه المناوى في فيض القدير (3/313)، ونقل تصحيحه عن الحافظ العراقي.

(6)   رواه البخارى في المساقاة، باب من قال: إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى (5/40) (حديث 3254) ومسلم في المساقاة (10/230)، باب تحريم بيع فضل الماء، كلاهما من حديث أبى هريره، واللفظ للبخارى.

 

     وحذرت السنة كل من يمنع الآخرين من الاستفادة من مثل هذه الضروريات،  يقول  r:  )ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: (ومنها): رجل كان له فضل ماء بالطريق، فمنعه من ابن السبيل((1). وفي رواية:  )ورجل منع فضل مائه، فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي، كما منعت فضل ما لم تعمل يداك((2).

       ×         الطريق التاسع: تحريم الاكتناز وإيجاب الزكاة.

       ×         الطريق العاشر: الصدقات التطوعية.

       ×         الطريق الحادي عشر: توفير الكفاية وجوباً، من غير طريق الزكاة والصدقات.

       ×         الطريق الثاني عشر: الحث على الوصية.

     وهذه الأربعة كما تصلح علاجاً للبطالة، فإنها كذلك تصلح علاجاً للتسول، وسيتم النص عليها وعلى أدلتها كاملة في مبحث طرق معالجة التسول في السنة النبوية.

 

 

 

 

 

(1)   رواه البخارى في المساقاة، باب إثم من منع ابن السبيل من الماء (5/43) (حديث 2358) ومسلم (2/115) في الإيمان، باب ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة. من حديث أبى هريره.

(2)     صحيح البخارى في المساقاة باب من رأى أن صاحب الحوض والقرية أحق بمائة (5/55)، (حديث 2369).

المبحث الرابع:

طرق معالجة التسول في ضوء السنة النبوية

       ×         الطريق الأول: تحريم التسول وسد أبوابه إلا في ظروف استثنائية.

     عن قبيصة بن مخارق الهلالى قال: )تحملت حمالة، فأتيت رسول الله r، أسأله فيها؟ فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها، ثم قال: يا قبيصة، إن المسألة، لا تحل إلا لأحد ثلاثة:

1-   رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة، حتى يصيبها ثم يمسك.

2-    ورجل أصابته جائحة، اجتاحت ماله، فحلت له المسألة، حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال سداداً من عيش(1).

3-  ورجل أصابته فاقة، حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا(2) من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة، حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال سداداً من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة- سحتاً(3)، يأكلها صاحبها سحتاً((4).

     فهذا الحديث يرشدنا إلى ما يأتي:

       ¨         ضرورة العمل في دائرة الحلال.

       ¨         سد باب الاستجداء والشحاذة.

       ¨         أن أكل أموال الناس بغير حق سحت، فإن الجنة لا يدخلها لحم نبت من سحت،

(1)     أى حتى يحصل على كفايته التي تسد عيشه، وهي: الطعام، واللباس، والسكن.

(2)     الحجا بكسر الحاء المهملة- مقصورة: العقل والفطنة (لسان العرب مادة حجا).

(3)     السحت بضم السين المهملة وسكون الحاء المهملة ويضمها: كل حرام قبيح الذكر، وقيل: ما خبث من المكاسب وحرم، فلزم عنه العار، والحرام الذي لا يحل كسبه (لسان العرب مادة السحت).

(4)     رواه مسلم في الزكاة، باب من تحل له المسألة (7/133-134).

كما جاء في الحديث الصحيح: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به)(1).

     وهذا الحديث أصل في معرفة حقيقة المحتاج من غيره، وهو الكسول الذي له حرفة، ولكنه لا يعمل ولا يكسب، مثل كثير من المتسولين الذين يرفضون العمل، طلبا للدعة والراحة، أو سعياً لاصطياد المال بالخداع والاحتيال.

     وحذرت السنة من سوء عاقبة المتسولين، يقول r: )ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة، وليس في وجهه مزعة(2) لحم((3).

     قال الخطابي وهو يشرح قوله  r:  )وليس في وجهه مزعة لحم(-: (يحتمل أن يكون المراد أنه يأتي ساقطاً لا قدر له ولا جاه، أو يعذب في وجهه حتى يسقط لحمه، لمشاكلة العقوبة في مواضع الجناية من الأعضاء؛ لكونه أذل وجهه بالسؤال، أو أنه يبعث ووجهه عظم كله، فيكون ذلك شعاره الذي يعرف به)(4).

     وقال  r:  )من سأل الناس أموالهم تكثراً، فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر((5). وفي حديث حبشي بن جنادة: (من سأل من غير فقر فكأنما يأكل    الجمر) (6).

(1)   رواه الترمذى في أبواب السفر من حديث جابر (حديث 609) وقال: (حسن غريب) رواه أحمد (3/321،399)، وابن حبان (رقم2106)، والأصبهانى في الترغيب (رقم 2106) والدرامي (2/318) في الرقاق، باب أكل السحت. ورواه الطبرانى في الأوسط (حديث-2751-4477) والصغير (1/154،225) وابن حبان (رقم 5541) من حديث كعب بن عجرة.

(2)     بضم الميم وحكى كسرها وسكون الزاى بعدها مهملة، أى قطعة يسيره من اللحم (النهاية 4/325).

(3)     رواه البخاري في الزكاة، باب من سأل الناس تكثراً (3/431) (حديث 1474) ومسلم في الزكاة باب النهى عن المسألة (7/130) كلاهما من حديث ابن عمر، واللفظ لمسلم.

(4)     فتح البارى (3/432).

(5)     رواه مسلم فى الزكاة باب النهى عن المسالة (7/130).

(6)   رواه أحمد (4/165)، وابن خزيمة في صحيحه (4/100) (حديث 2446) والطبرانى في الكبير (4/15 رقم3506)، وقال الهيثمي في المجمع (3/96): (ورجاله رجال الصحيح). والحديث متصل صحيح.

     وفي حديث ابن مسعود: )من سأل الناس وله ما يغنيه، جاء يوم القيامة، ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح، قيل يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال: خمسون درهماً، أو قيمتها من الذهب((1). وفي رواية من حديث سهل بن الحنظلية: قالوا: وما يغنيه؟ قال: )قدر ما يغديه ويعشيه((2).

      وفي رواية: )أن يكون له شبع يوم وليلة، أو ليلة ويوم((3).

      وفي رواية: )من سأل وله أربعون درهما فهو الملحف((4).

     وليس هناك تعارض بين هذه الروايات فكلها متقاربة، وليس في هذا التحديد تفريق بين الغني والفقير، فنصاب الغني معروف وهو مائتا درهم من الفضة أو عشرون مثقالاً من الذهب وإنما فيه تحديد للفقير الذي يحل له أن يسأل والفقير الذي لا يحل له ذلك.

     وقد بين r أن السؤال يصيب الإنسان في أخص مظهر لكرامته وإنسانيته، وهو وجهه، ولم يستثن من ذم المسألة إلا حالتين كما جاء في حديث سمرة بن جندب: )إلا إن يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بداً((5).

 

(1)    أخرجه أبو داود في الزكاة باب من يعطي من الصدقة وحد الغني (حديث 1626) والترمذى في الزكاة- باب من تحل له الزكاة (2/80) (حديث 645) والنسائي في الزكاة باب حد الغني (5/97)، وابن ماجه في الزكاة باب من سأل عن ظهر غني (1/407)، والطبرانى في الكبير (رقم10199)، وأبو عبيد في الأموال (رحم 1730) من حديث ابن مسعود، وهو حديث صحيح من بعض الطرق.

(2)     رواه أبو داود في الزكاة (رقم1629)، وأحمد (4/181)، وابن حبان في صحيحه (3385)، وسنده صحيح.

(3)     رواه أبو خزيمه في صحيحه (4/79-80) (رقم2391) وأبو عبيد في الأموال (رقم1738) نحوه بإسناد صحيح.

(4)    رواه النسائي في الزكاة، باب من الملحف (5/98)، وابن خزيمة (4/101 رقم2448) نحوه من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. ورواه الطبرانى في الكبير (2/150 رقم1630) من حديث أبى ذر نحوه. قال الهيثمى في المجمع (9/331): (ورجاله رجال الصحيح، غير عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس وهو ثقة).

(5)    رواه أبو داود في الزكاة باب ما تجوز فيه المسألة (رقم1639)، والترمذى في الزكاة، باب ماء في النهي عن المسألة (رقم676)، والنسائي في الزكاة باب مسألة الرجل ذا سلطان (5/100)، وأحمد (5/10،19،22) وابن حبان (رقم3377،3388)، والطبرانى في الكبير (رقم6767،6772). كلهم من حديث سمرة، وقال الترمذى: (حسن صحيح).

     وإنما استثنى السلطان؛ لأنه ولى أمر المسلمين، فهذا يجوز سؤاله في إعطائه حقه من بيت المال (ومن الناس: من لا يضع هذا الحديث موضعه، ويرى أنه رخصة في تناول ما تحويه أيدي السلاطين من غصب أموال المسلمين). نبه على هذا الخطابى(1).

     والحالة الثانية: أن يسأل في أمر لابد منه، ولحاجة تقهره على السؤال، فهذا موضع ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها.

     وأخبرت السنة بأن من فتح على نفسه باب مسألة وهو غنى عنها- فتح الله عليه باب الفقر(2).

     ولقد ربى النبى r أصحابه على كراهة السؤال؛ ليكونوا ومن بعدهم- أعزة، فقد كان يطلب منهم في المبايعة أن يبايعوه على أن لا يسألوا الناس شيئاً، فعن عوف بن مالك الأشجعى t قال: كنا عند رسول الله r تسعة، أو ثمانية، أو سبعة (هكذا) فقال: (ألا تبايعون رسول الله؟) وكنا حديثى عهد- فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: (ألا تبايعون رسول الله؟) فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، قال: (ألا تبايعون رسول الله؟) قال: فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: (على أن تعبدوا الله، ولا تشركون به شيئاً، والصلوات الخمس، وتطيعوا). وأسر كلمة خفية: (ولا تسألوا الناس شيئاً). (فلقد رأيت بعض أولئك النفر، يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه(3).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق