السبت، 28 يوليو 2012

مقدمة عن البطالة

     الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وعلى آله وأصحابه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

     أما بعد. فلعل من أهم المشكلات التي يعاني منها العالم اليوم في هذا العصر وأكثرها ظهوراً، وأشدها خطراً على الأمة، وعلى كيانها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني: مشكلة البطالة، التي تعتبر باباً رئيساً ومعبراً خطيراً يعبر منه المتسولون.

     وربما جرتهم البطالة إلى الانحراف عن دين الله القويم، واقتراف الرذائل، وسلوك سبيل المجرمين، والعبث بالأمن، وانتهاك الحرمات، والاعتداء على أملاك الناس بطرق غير مشروعة.

     ومن المعروف بداهة: أن الأمن والاستقرار، والرخاء والسخاء، لا تتحقق إلا بمشاركة جميع الأيدي العاملة؛ لتصل إلى التوازن في المعيشة، والعيش في سلام ووئام.

     ولقد ازدهرت بعض المجتمعات بآثار التقدم الحضاري والصناعي، ومع ذلك فهي تعاني من تزايد عدد العاطلين عن العمل، الأمر الذي جعل مستوى معيشتهم يتدنى إلى مستوى سيئ.

     وبات هؤلاء العاطلون عن العمل شبحاً مخيفاً، وخطراً محدقاً، يهدد العالم، وينذر بشر، ولم تستطع معظم الدول المتمدنة أن تضع الحلول المناسبة لهذه الظاهرة السيئة، رغم تقدمها وارتفاع مستوى دخلها.

     ولقد وضعت النظم الوضيعة علاجاً للبطالة، ونسيت أو تناست أن تضع العلاج للتسول، بيد أنها حكمت على فعل المتسول بكونه عملاً غير أخلاقي يعاقب عليه القانون.

     وبالنظر فيما سبق يتبين أن في تلك النظم خللاً أو نقصاً، وكان لابد من عرض وجهة النظر الإسلامية من خلال منظور السنة النبوية؛ لأنها قد بسطت هذا الأمر      -أسباباً وآثاراً وعلاجاً- بما لا يدع مجالاً لنقد أو طعن، ولأجل ذلك قمت بكتابة هذا البحث، وأسميته: (البطالة والتسول بين السنة النبوية وبين القوانين الوضيعة المعاصرة).

     هذا وقد ربطت بين البطالة والتسول، على أساس أن البطالة هي باب كبير للتسول، وكلاهما مرتبط بالآخر. وفي هذا المقام لا يستغني -كما يقول العلماء- بملزوم عن لازم، وإنما يحتاج الأمر إلى النص؛ حتى لا يكون هناك مجال لإشارة أو إغفال جانب من جوانب هذا الموضوع، فجعلت بحثي في هذا الإطار، والبطالة قد تكون ثمرة من ثمار التسول، فالجانبان مرتبط بعضهما ببعض.

     ثم إن المقارنة بين السنة النبوية وبين القوانين الوضعية في سبل معالجة البطالة والتسول فيها شيء من التنزل؛ لأن السنة النبوية معصومة، فهي من نفحات ربانية، وأما الأنظمة الوضعية فهي من تصور عقل الإنسان، الذي يلازمه القصور والنقص، والأنظمة التي صاغها فقهاء الإسلام أكثر نضجاً وحيوية، وأكثر رقياً وتقدماً من الأنظمة الوضعية. ولكن لا مانع من تلك المقارنة، ليتضح للقارئ الفرق الكبير في معالجة البطالة والتسول بينهما.

     أجل، لقد عقدت هذه المقارنة، لأننا اليوم وبعد أن سقطت الخلافة الإسلامية، واقتبست الأمة الإسلامية تشريعاتها من تشريعات الغرب، وهجرت الشريعة الإسلامية، وبعد أن بدأت الصحوة الإسلامية تعود مرة أخرى بعد أن أصيبت بالشلل من جراء الضعف الذي حل بها من قبل أعدائها، فأردت أن أظهر في بحثي هذا حقيقة ناصعة، يؤمن بها كل منصف، ويقبلها كل صاحب حق، وهي بأن السنة النبوية المعصومة، قد عالجت البطالة والتسول، ووضعت لهما الحلول التي تتناسب مع كل عصر، وفي كل مصر، وفي كل مكان، وفي كل زمان، وأن السنة النبوية المشرفة سبقت التشريعات الوضعية في حل مشكلات الإنسان قبل أن يتصدى لها أصحاب النظم الوضعية التي تنادي بحقوق الإنسان.

وقد قمت بجمع الأحاديث التي تتعلق بمعالجة السنة النبوية للبطالة والتسول، وخرجتها، وبيّنت درجتها: من صحة، أو حسن، أو ضعف قدر الطاقة والإمكان، وحسبما تيسر لي من مصادر ومراجع.

     ثم حاولت استنطاق هذه الأحاديث والربط بينها، وإذ وجد تعارض استخدمت الأسلوب المتبع عند العلماء في الجمع والتوفيق بينها، فإن عجزت عن الجمع والتوفيق لجأت إلى الترجيح بطرقه وأدواته المعروفة عند المحدثين، غير متحيّز لرأى دون رأى، بل اخترت القول الذي تؤيده الأدلة، وتدل الشواهد على أصَحيته وأرجَحيته.

     ومما تجدر الإشارة إليه: أنه توجد هناك طرق عالجت موضوع البطالة والتسول، وذلك في القرآن الكريم فهذه لا أذكرها إلا إذا جاء من السنة ما يؤيدها، لأن عملي في هذا البحث: هو إبراز دور السنة النبوية في معالجتها لهذا الموضوع، وأحياناً قد أذكر ذلك -على ندرة- تتميماً للفائدة.

          هذا وتتكون خطة البحث من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة.

          أما المقدمة: فقد اشتملت -كما رأينا- على أسباب اختيار الموضوع وأهميته.

       ¨         الفصل الأول: ماهية البطالة والتسول. ويتكون من ستة مباحث:

                      ·          المبحث الأول: ماهية البطالة في اللغة العربية.

                      ·          المبحث الثاني: ماهية البطالة في القوانين الوضعية المعاصرة.

                      ·          المبحث الثالث: ماهية البطالة في الشريعة الإسلامية.

                      ·          المبحث الرابع: موازنة بين تعريف البطالة في القوانين الوضعية المعاصرة، وبين تعريفها في الشريعة الإسلامية.

                      ·          المبحث الخامس: ماهية التسول في اللغة العربية.

                      ·          المبحث السادس: ماهية التسول في الشريعة الإسلامية.

       ¨         الفصل الثاني: أهم أسباب البطالة والتسول، ويتكون من مبحثين:

                      ·          المبحث الأول: أهم أسباب البطالة.

                      ·          المبحث الثاني: أهم أسباب التسول.

       ¨         الفصل الثالث: أهم آثار البطالة والتسول على الفرد والمجتمع، ويتكون من مبحثين:

                      ·          المبحث الأول: أهم آثار البطالة على الفرد والمجتمع.

                      ·          المبحث الثاني: أهم آثار التسول على الفرد والمجتمع.

       ¨         الفصل الرابع: طرق معالجة البطالة والتسول، ويتكون من ستة مباحث:

                      ·          المبحث الأول: طرق معالجة البطالة في القوانين الوضعية المعاصرة.

                      ·          المبحث الثاني: نقد طرق معالجة البطالة في القوانين الوضعية المعاصرة.

                      ·          المبحث الثالث: طرق معالجة التسول في القوانين الوضعية المعاصرة ونقدها.

                      ·          المبحث الرابع: طرق معالجة البطالة في ضوء السنة النبوية.

                      ·          المبحث الخامس: طرق معالجة التسول في ضوء السنة النبوية.

                      ·          المبحث السادس: موازنة بين منهج السنة النبوية في معالجتها للبطالة والتسول وبين منهج القوانين الوضعية المعاصرة.

       ¨         الخاتمة: وتشتمل على:

1-    أهم نتائج هذا البحث.

2-     أهم التوصيات.       

هناك 6 تعليقات: