السبت، 28 يوليو 2012

ماذا يعني التوظف الكامل

قد يبدو لأول وهلة P أن مصطلح التوظف P أو العمالة الكاملة - Full
Employment يعني اختفاء البطالة 1اما P أي الوصول إلى معدل بطالة
مساو للصفر. لكن ذلك غير صحيح. فهناك دوما قدر ما من البطالة يسود
في الاقتصاد القومي في أي فترة من الفترات P وهو القدر الذي ينجم عن
البطالة الاحتكاكية والبطالة الهيكلية. وهذان النوعان من البطالة P لا Žكن
القضاء عليهما أو تجنبهما 1اما P لأنهما ينتجان عن التغيرات الديناميكية
والظروف الهيكلية للبنيان الاقتصادي. ولهذا يُجمع الاقتصاديون والخبراء
على أن حالة التوظف الكامل لا تعني أبدا أن يكون معدل عمالة (أو تشغيل)
قوة العمل ١٠٠ % P بل أقل من ذلك بقدر ما. وهذا القدر يحدده حجم البطالة
الاحتكاكية والبطالة الهيكلية. وبعبارة أخرى P Žكن القول إنه عند مستوى
التوظف الكامل يكون معدل البطالة السائد هو حاصل جمع معدلي البطالة
الاحتكاكية والبطالة الهيكلية P وهو ما يطلق عليه أحيانا معدل البطالة
الطبيعي Natural Rate of Unemployment (سوف نتناول هذا ا 7صطلح فيما
بعد). كما Žكن القول P إن التوظف الكامل يتحقق إذا ما كان معدل البطالة
31
البطالة: معناها قياسها أنواعها
الدورية مساويا للصفر.
وعندما يصل اقتصاد ما إلى مستوى التوظف الكامل P فإنه يحقق عند
هذا ا 7ستوى وفي ضوء موارده ا 7تاحة واستغلالها الأمثل P ما يسمى بالناتج
القومي الإجمالي ا 7مكن Potential GNP الذي Žثل أفضل مستوى Žكن
بلوغه من الناتج القومي P يتناسب مع حجم ا 7وارد ا 7تاحة والفن التكنولوجي
ا 7ستخدم وحجم قوة العمل الإنساني وإنتاجيته وا 7عدل العادي أو الطبيعي
للبطالة P في مرحلة زمنية معينة. ولهذا فإن تحقيق هذا ا 7ستوى Žثل
وضعا مرغوبا فيه. ولا عجب P والحال هذه P أن كان تحقيق التوظف الكامل
هدفا عزيزا P سعت إليه مختلف بلدان العالم في عالم ما بعد الحرب
العا 7ية الثانية.
معدل البطالة الطبيعي :
ذكرنا حالا P أنه حينما يصل اقتصاد قومي ما إلى مستوى التوظف
الكامل P فإن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن معدل تشغيل قوة العمل
يساوي ١٠٠ % P أو أن معدل البطالة يساوي الصفر. فهناك قدر ما من
البطالة يوجد في أيّ لحظة ولا Žكن اختفاؤه P وأنه عند مستوى التوظف
الكامل  وهو ما يعني اختفاء البطالة الدورية  يسود ما يسمى معدل
البطالة الطبيعي الذي يشتمل على البطالة الاحتكاكية والبطالة الهيكلية.
وعند مستوى التوظف الكامل تكون جميع أسواق العمل في حالة توازن P
nعنى أن عدد الباحث W عن العمل يساوي عدد الفرص ا 7تاحة P وبالتالي لا
يوجد فائض في عرض العمل أو تغير مفاجئ في مستويات الأجور P وكل
من هو قادر على العمل وراغب فيه وباحث عنه ويقبل مستوى الأجر السائد P
سوف يجد فرصة للعمل. أما هؤلاء الذين في حالة بطالة هيكلية أو احتكاكية
فسيحتاجون إلى مُضيّ بعض الوقت حتى Žكن إيجاد العمل ا 7ناسب.
أهم خاصية إذن Žكن رصدها من تحليلنا السابق P أنه عند الوصول
إلى مرحلة التوظف الكامل يسود معدل البطالة الطبيعي P وتكون أسواق
العمل متوازنة P أي لا يوجد بها فائض عرض أو فائض طلب P وبالتالي لا
توجد قوى تدفع معدلات الأجور والأسعار إلى الصعود أو الهبوط( ١٥ ). وعليه P
فإن معدل البطالة الطبيعي يسود فقط عندما يصل الاقتصاد القومي إلى
32
الاقتصاد السياسي للبطالة
مستوى التوظف الكامل. ويترتب على ذلك أيضا: أنه حينما يبتعد الاقتصاد
القومي عن مستوى التوظف الكامل P فإن معدل البطالة السائد يكون أكبر
من P أو أقل من P معدل البطالة الطبيعي P وذلك بحسب طبيعة حالة البعد
عن مرحلة التوظف الكامل.
وعموما P فإنه من غير ا 7تصور أن يظل الاقتصاد القومي موجودا بشكل
دائم عند مستوى التوظف الكامل P ومن ثم يسود دائما معدل البطالة
الطبيعي. فهناك فترات يبتعد فيها الاقتصاد القومي عن مستوى التوظف
الكامل بسبب خضوع حركة النشاط الاقتصادي في النظام الرأسمالي 7ا
يسمى بالدورة الاقتصادية. وفي الحالات التي يسود فيها الانتعاش أو
الرواج الدوري P فإنه من المحتمل أن يكون معدل البطالة السائد أقل من
معدل البطالة الطبيعي. وعلى سبيل ا 7ثال P نذكر هنا أنه بينما كان معدل
البطالة الطبيعي يتراوح ما ب W ٣  ٤% من قوة العمل في الولايات ا 7تحدة
الأمريكية P فإن الضغوط التي ولدتها الحرب العا 7ية الثانية على الطاقات
الإنتاجية القائمة آنذاك وتشغيلها على نحو مستمر ليلا ونهارا P أدت إلى
زيادة الطلب على العمالة الأمريكية بشكل حاد. ولهذا انخفض معدل البطالة
بشكل واضح وأصبح أقل من معدل البطالة الطبيعي. فآنذاك P أي خلال
سني الحرب P تطلبت زيادة الإنتاج تشغيل العمالة ا 7تاحة وقتا إضافيا
Overtime . كما كان من الشائع في تلك الفترة أن يجمع الفرد ب W وظيفت W
Moonlighting إحداهما في الصباح والأخرى في الليل. كما قامت الحكومة
بتجميد عدد كبير من العمال في الصناعات الاستراتيجية P وهو الأمر الذي
أدى إلى خفض شديد في معدل البطالة الاحتكاكية. ولا عجب P والحال
هذه P أن انخفض معدل البطالة السائد إلى أقل من ٢% من قوة العمل خلال
الفترة ١٩٤٣  ١٩٤٥ . بل إنه وصل إلى ١٬٢ % في عام ١٩٤٤ . وكان الاقتصاد
الأمريكي وقتئذ ينتج حجما من الناتج القومي الإجمالي يفوق حجم ناتجه
ا 7مكن Potential ˆا أدى إلى خلق ضغوط تضخمية في تلك الفترة( ١٦ ).
ويشير الاقتصاديان بول سامولسون Paul A. Samuelson ووليم نورد هاوس
PWilliam D. Nordhaus إلى أن وضعا مشابها لذلك قد تحقق أيضا في
الاقتصاد الأمريكي في أثناء سني الحرب الڤيتنامية P حيث انخفض معدل
البطالة إلى ما دون مستواه الطبيعي P بينما ارتفع معدل التضخم( ١٧ ).
33
البطالة: معناها قياسها أنواعها
وعلى العكس ˆا تقدم P ثمة احتمال أن يكون معدل البطالة السائد
أعلى بكثير من معدل البطالة الطبيعي P وهو الأمر الذي يسود في فترات
الكساد الدوري وتعم البطالة الدورية Cyclical Unemployment . وقد كان
هذا واضحا في أثناء سنوات الكساد الكبير ( ١٩٢٩  ١٩٣٣ ) وأيضا في حقبة
السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من قرننا الحالي في الكثير من البلدان
الصناعية. وتلك مسألة سوف نتعرض لها تفصيلا فيما بعد.
ومهما يكن من أمر P فإن السؤال الذي يقفز إلى الذهن الآن هو: ما
حجم معدل البطالة الطبيعي الذي إذا ساد في فترة من الفترات لأمكن
القول بأن الاقتصاد القومي يعمل عند مستوى التوظف الكامل?
هذا السؤال كان P وما يزال P مثار جدل فكري عميق ب W ا 7دارس
الاقتصادية اﻟﻤﺨتلفة منذ أكثر من ثلاث W عاما. واكتسب الجدل في هذه
القضية أهمية خاصة حينما حاول بعض الاقتصادي PW وكما سنرى فيما
بعد P تبرير ارتفاع معدل البطالة في الرأسمالية ا 7عاصرة بطرح مفهوم
جديد 7عدل البطالة الطبيعي P وتبرير ارتفاعه لتفسير وتبرير معضلة البطالة
في الاقتصادات الرأسمالية في الآونة الحالية. وسوف نرجئ الدخول في
تفاصيل هذا الجدل P ويكفينا عند هذه ا 7رحلة من التحليل P أن نشير إلى أن
غالبية الاقتصادي W في عالم ما بعد الحرب العا 7ية الثانية كانوا يعتبرون
أن معدل تشغيل للعمالة يتراوح ما ب W ٩٦ % و ٩٧ % P كاف لإضفاء صفة
التوظف الكامل على الاقتصاد القومي P وهو ما يعني أن معدل البطالة
الطبيعي يتراوح ما ب W ٣% و ٤% من قوة العمل. وهذا هو بالفعل ا 7عدل
الذي ساد معظم اقتصادات البلدان الصناعية في عالم ما بعد الحرب
( ١٩٤٥  ١٩٧٠ ). أما الآن فإن عددا كبيرا من الاقتصادي W قد أعادوا النظر
في حجم معدل البطالة الطبيعي P وذكروا بعض الأسباب P من وجهة نظرهم P
التي تدفعهم للاعتقاد بأن معدل البطالة الطبيعي أصبح يتراوح الآن في
اقتصادات البلدان الصناعية فيما ب W ٥% و ٦% من قوة العمل.
مشكلة إحصاءات البطالة :
للوقوف على حجم مشكلة البطالة وأبعادها ينبغي أن تكون هناك قاعدة
معلومات تفصيلية ودقيقة عن ا 7تعطل PW من حيث أعدادهم وأماكن إقامتهم
34
الاقتصاد السياسي للبطالة
وا 7هن التي يزاولونها وأعمارهم وتعليمهم وجنسهم وسبب تعطلهم P ومدة
بطالتهم.. إلى آخره. والحقيقة إن توافر هذه البيانات ودقتها وحداثتها هي
من الأهمية nكان P لأنه على ضوئها يحسب معدل البطالة على مستوى
الاقتصاد القومي P وهو أحد ا 7ؤشرات الاقتصادية الكلية ذات الدلالة البالغة
في رسم السياسات الاقتصادية وتقييم فعاليتها. كما لا يخفى أنه لا Žكن
علاج مشكلة البطالة ما لم يكن هناك تصور حقيقي عنها.
على أن الإحصاءات الرسمية ا 7نشورة حول البطالة كثيرا ما تثير الجدل
حول مدى دقتها وشمولها P وإلى أي مدى تعكس حجم مشكلة البطالة. ففي
ضوء التعريف الشائع عن البطالة الذي أوصت به منظمة العمل الدولية
ILO والذي ينص على أن العاطل هو P ذلك الفرد الذي يكون فوق سن معينة
بلا عمل وقادرا على العمل وراغبا فيه ويبحث عنه عند مستوى الأجر
السائد ولكنه لا يجده P نقول P إنه في ضوء هذا التعريف فإن العاطل W
Žثلون عادة نسبة مئوية صغيرة من قوة العمل P لأن هناك فئات من ا 7تعطل W
تستبعد ولا يشملها الإحصاء الرسمي P مثل:
١  العمال المحبط W Discouraged Workers أي هؤلاء الذين هم بالفعل
في حالة بطالة ويرغبون في العمل P ولكنهم ليأسهم ولكثرة ما بحثوا عن
العمل ولم يوفقوا فقد تخلوا عن البحث عن العمل. وقد يكون عدد هؤلاء
كبيرا وبخاصة في فترات الكساد الدوري.
٢  الأفراد الذين يعملون مدة أقل من وقت العمل الكامل. وهم يعملون
بعض الوقت Part-time بغير إرادتهم في ح W أنهم يرغبون في العمل وقتا
كاملا .Full-time
٣  العمال الذين يتعطلون موسميا P ولكنهم خلال فترة إعداد مسح
البطالة كانوا يعملون. ويوجد هؤلاء بشكل واضح في القطاع الزراعي حيث
يعملون بعض الوقت في أوقات الحصاد أو أوقات الخدمة الكثيفة للأرض
ويظلون في حالة بطالة طوال السنة. وتتشابه مع هؤلاء حالة الذين يعملون
في قطاع السياحة في أوقات معينة من السنة.
٤  العمال الذين يعملون في أنشطة هامشية P غير مستقرة P وغير
مضمونة P وذات دخول منخفضة جدا. وهم عادة ˆن يعملون لحساب
أنفسهم Self-employed ويتعرضون لكثير من ا 7شكلات وا 7تاعب. وعددهم


كبير في حالة البلاد النامية.
لا عجب P والحال هذه P إن كانت إحصاءات البطالة الرسمية ا 7نشورة
أقل من الحجم الفعلي للبطالة بكثير لأنها تستبعد هذه الفئات( ١٨ ). وا 7قياس
الأنسب للإحاطة بالحجم الحقيقي 7شكلة البطالة ينبغي أن يتسع ليشمل
تلك الفئات P أو على الأقل البعض منها. وفي هذه الحالة سوف يرتفع معدل
البطالة ارتفاعا كبيرا. ولكي نرى مدى هذا الارتفاع علينا أن نلقي إطلالة
سريعة على الجدول رقم ( ١  ٣) الذي أعدنا فيه حساب معدل البطالة
الحقيقي P بعد إضافة بطالة العمال المحبط W والعاطل W بعض الوقت بغير
إرادتهم في عدد من البلدان الصناعية وذلك في عام ١٩٩٣ . ففي كل
الحالات التي أشار إليها الجدول P ارتفع معدل البطالة بشكل ملموس. وفي
بعض الحالات يكاد ا 7عدل يرتفع إلى الضعف P وهو ما نراه في حالة الولايات
ا 7تحدة حيث يرتفع ا 7عدل من ٦٬٨ % إلى ١٢٬٧ % من قوة العمل P وفي اليابان
يرتفع ا 7عدل من ٢٬٥ % إلى ٦٬٦ % P وفي هولندا من ٦٬٥ % إلى ١٢٬٧ % P وفي
السويد من ٨٬٢ % إلى ١٦٬٤ %.. إلى آخره( ١٩ ).
أما في حالة البلاد النامية P فالوضع أكثر تعقيدا P حيث لا توجد في
كثير من الأحيان إحصاءات دورية رسمية منشورة عن البطالة. وإذا وجدت
فغالبا ما يكون تقديرها عشوائيا ولا يخضع لأسس علمية سليمة. أضف
إلى ذلك أن حالات البطالة ا 7قنعة كثيرة P والعمالة المحبطة ضخمة جدا P
والبطالة ا 7وسمية منتشرة على نطاق واسع P وا 7تعطل W جزئيا ينتشرون في
كثير من القطاعات والأماكن. ولهذا فلو أعدنا حساب معدل البطالة بإضافة
هذه الفئات فسوف يقفز معدل البطالة قفزة هائلة لأعلى. ونذكر هنا P
على سبيل ا 7ثال P أنه في ضوء ما توافر من بيانات عن حالة جنوب
أفريقيا( ٢٠ ) سوف نجد أن معدل البطالة الإجمالي الرسمي قد قدر في عام
١٩٩٣ بحوالي ١١٬٩ % من قوة العمل. وإذا أضفنا إلى ذلك نسبة العمال
المحبط W ( ٢٥٬٥ % من قوة العمل) وكذلك من يعانون من البطالة الجزئية
( ٥٬٥ %) فإن معدل البطالة الحقيقي سيرتفع إلى ٤٢٬٩ % من قوة العمل.
ورغم أن بيانات البطالة ا 7نشورة تقل كثيرا عن بيانات البطالة الفعلية P
فإن هناك عددا من الاقتصادي W في البلدان الصناعية يرون P على النقيض
من ذلك P أن بيانات البطالة الرسمية مغالى فيها P وأنها يجب P من ثم P ألا


هناك تعليق واحد: