السبت، 28 يوليو 2012

طرق معالجة البطالة في ضوء السنة النبوية

     آذنت السنة النبوية الشريفة الحرب على البطالة وعلى التسول، وحاصرتهما حصاراً محكماً، وقعدت لهما كل مرصد، لتدفع بذلك الخطر عن العقيدة والدين والسلوك والأخلاق، ولتحفظ الأسرة، وتصون المجتمع عن المهاوي والمنزلقات، وعن المفاسد والمساوئ التي يمكن أن تخلفهما البطالة والتسول في حياة الأمة الإسلامية.

     ولا يجوز في دين الله تعالى أن يعيش المجتمع الإسلامي مفككاً، لا تسوده روح الإخاء والتعاون فيما بينه على البر والتقوى.

     ولا يجوز أن يعيش أناس ويموت أناس آخرون جوعاً وفقراً، وتشرداً وحرماناً، بل لابد أن يعيش الجميع في ظل الجميع، ويعمل الكل على مصلحة الكل.

     ومن أجل تحقيق الخير للأمة، وتحقيق الحياة الطيبة بعيدة عن البطالة، وبعيدة عن التسول والفقر- اتخذت السنة النبوية إجراءات في الوقاية، وسبلاً في العلاج، وذلك بالطرق الأتية:

       ×         الطريق الأول: الدعوة إلى العمل وترك التواكل.

     إن المسلم في المجتمع الإسلامي مطلوب منه أن يعمل، ومأمور أن يمشي في مناكب الأرض، ليكسب حلالاً يسد به حاجته، ويحفظ به ماء وجهه، ويكون عزيز النفس، عفيف الطبع، ولا يجوز الإعراض عن العمل، فإذا لم يكن عنده عمل لنفسه فعليه أن يعمل لغيره.

     فعن أبى ذر الغفاري t قال: )سألت رسول الله r: أى العمل أفضل؟ فقال: (إيمان بالله، وجهاد في سبيله)، قلت: فأى الرقاب أفضل؟ قال: (أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها)، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: (تعين ضائعاً (1)، أو تصنع لأخرق الحديث((2)

     فالسنة في هذا الحديث الشريف تحث على العمل، وذلك ببيان بعض صوره، ومنها:

1-    إعانة الصانع: يعني أن توجد له عملاً.

2-   الصناعة للأخرق أى تعلمه مهنة أو حرفة، كأنه ينبغي أن يكون مال الأمة موجهاً في عدة جهات، منها:

                     ¨         إنشاء المصانع والمؤسسات التي تستوعب أصحاب الحرف الذين لا عمل لهم.

                     ¨         إنشاء معاهد للتدريب والتعليم، التي تزيد حجم أصحاب الحرف، والمهن.

     إن المسلم عليه أن يعمل، ولا يجوز له أن يكون عالة غيره، وعبئاً على المجتمع يأخذ من الحياة ولا يعطيها، بل لابد أن يعمل ويكسب، ويقدم لأمته كما يقدم لنفسه، أو كما يقدم له.

     كذلك لا يجوز له أن يمد يده إلى الناس، ويسألهم الإحسان والصدقة، وهو قادر على الكسب، ويجد سبيلاً للعمل، وطلب التكسب مأمور به، وهو أنواع:

1-    كسب مفروض: وهو الكسب بقدر الكفاية لنفسه وعياله، وقضاء دينه.

(1)     هكذا في البخارى: ضائعاً، وفي مسلم: صانعاً.

      والمراد بالضائع: ذو الضياع من فقر أو عيال، والأخرق: هو الذي ليس بصانع ولا يحسن العمل (انظر: فتح البارى 5/187).

(2)     أخرجه البخارى في العتق وفضله باب أى الرقاب أفضل (5/185)، (حديث 2518)، ومسلم في الإيمان باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال (2/73).

2-    كسب مستحب: وهو كسب الزيادة على أدنى الكفاية؛ ليواسي به فقيراً أو يصل به رحماً، وهذا أفضل من التحلي بنوافل العبادة (1).

     وفي هذا يقول r: )ما أكل أحد طعاماً قط، خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود، كان يأكل من عمل يده((2).

     قال الحافظ ابن حجر: )وفي الحديث: فضل العمل باليد، وتقديم ما يباشره الشخص بنفسه على ما يباشره بغيره، والحكمة في تخصيص داود بالذكر أن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده، لم يكن من الحاجة؛ لأنه كان خليفة في الأرض كما قال الله تعالى، وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل، ولهذا أورد النبيr قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد((3).

     قال r: )ما كسب الرجل كسباً أطيب من عمل يده، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة((4).

 

 

(1)     انظر: مجلة الاقتصاد الإسلامي (ص575) العدد الثالث، المجلد الثالث عام 1404هـ، 1984م.

(2)     رواه البخارى في البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده (4/380) (حديث 2072) من حديث المقدام بن معد يكرب t.

(3)     فتح البارى (4/384).

(4)   رواه أبو داود في البيوع باب في الرجل يأكل من مال ولده (حديث-2528) والترمذى في الأحكام باب ما جاء في أن الوالد يأخذ من مال ولده (3/639) (حديث-1358) والنسائي في البيوع، باب الحث على المكاسب (7/241) وابن ماجه في التجارات، باب الحث على المكاسب (2/723) (حديث-2138) كلهم من حديث المقدام بن معد يكرب. ورواه بعضهم من حديث عائشة، والحديث صحيح بشواهده.

     وعن رافع بن خديج t قال: سئل النبىr: أى الكسب أطيب؟ قال: )عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور((1)، وهذا يشمل جوارحه، وكل عمل اقتصادي يزاوله الإنسان بعقله وخبرته وماله عن طريق البيع والشراء والشركة وغيرها، كما أن الكسب الطيب وهو طلب تحصيل المال بما يحل من الأسباب- يشمل الإجارة والتجارة والزراعة والصناعة.

     ولن تسد جوعتنا إلا إذا أكلنا من عمل أيدينا، واعتمدنا على الله تعالى ثم على أنفسنا. ويعتبر وطننا الإسلامي من أكبر مستوردي المواد الغذائية في العالم، إذ بلغت وارداته عام 1980 أربعة عشر ملياراً من الدولارات، ثم ارتفعت عام 1985 إلى 25 ملياراً، ثم وصلت في عام 1987 إلى 30 ملياراً.

     إن اعتمادنا على عمل غيرنا مما زاد في حجم البطالة، وجعل القضية تتأزم وصار الناس متبطلين أو عاطلين، ففي دولة واحدة وهي مصر- بلغ طابور العاطلين فيها عن العمل ثلاثة ملايين، وهو يمثل نسبة 20% من قوة العمل، كما نشر عن اتحاد نقابات عمال مصر (2).



 

(1)   رواه أحمد (3/466) في مسند أبى برده بن نيار عن خاله. والطبرانى في الأوسط (رقم 4/79) والبراز (كشف الأستار 2/83 رقم 1257) من حديث عبيد بن رفاعة رفاعة عن أبيه، والطبرانى في الكبير (4/276) (رقم411) من حديث عباية بن رفاعة عن جده وكذا في (22/رقم 519)، والحاكم في المستدرك (2/10)، ورواه الطبرانى في الأوسط (رقم2161) من حديث ابن عمر ورواته ثقات، كما في الترغيب للمنذرى (2/523) وقال في سند البزار: (ورجاله رجال الصحيح، خلا المسعودى، فإنه اختلك، واختلف في الاحتجاج به، ولا بأس به في المتابعات). قلت: تابعه عند البزار رقم (1258) شريك بن عبد الله الكوفى، عن جميع بن عمير، عن عمه به، وجميع هذا، وثقة أبو حاتم. وقال البخارى: فيه نظر (مجمع الزوائد 4/60)، والحديث صححه الحاكم، ووافقه الذهبى، وانظر السلسلة الصحيحة (رقم5607).

(2)     انظر: مجلة الاقتصاد الإسلامي (ص306،307) المجلد الثامن، السنة الثامنة عام 1409هـ-1989م.

     وبينت السنة أنه لا يجوز ترك العمل بحجة الانقطاع للعبادة: مثل الصلاة والصوم ونحو ذلك، فإن العبادة بمفهومها الشرعي: تتناول كل أعمال المسلم التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وهي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، وكذا رسوله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فليست العبادة هي الصلاة والصوم فحسب، بل هي كل عمل من شأنه أن يعود بالخير على نفسه وعلى غيره، وقصد به وجه الله تعالى.

     واعتبرت السنة العمل جهاداً، قفد مر على النبى r رجل، فرأى أصحاب رسول الله r من جلده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال: )إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله؟ وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان((1).

     وكان الصحابة يعتبرون العامل من عمال الله تعالى، فقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص: (إن الرجل إذا عمل مع عماله في داره وقال الراوي مرة- في ماله- كان عاملاً من عمال الله عز وجل)(2).

     كما بينت السنة أن على الإنسان أن يعمل، وأن لا ينتظر عملاً يناسبه، فالعمل ولو كان ربحه ضئيلاً أو كان يحوطه شئ من الإزدراء، كأن يعمل خادماً أو حطاباً أو حذاءً أو صباغاً ونحو ذلك، خير من أن يسأل الناس أو يكون بطالاً لا يعمل، يقول r: )والذي نفسي بيده، لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله، أعطاه أو منعه((3).

(1)     رواه الطبرانى في الكبير (19/رقم282)، والأوسط رقم (6831)، والصغير(2/60) من حديث كعب بن عجره. ورجاله رجال الصحيح كما في الترغيب للمنذري (2/524).

(2)     أخرجه البخارى في الأدب المفرد (رقم448) (ص160)بإسناد حسن، كما في السلسلة الصحيحة (1/13).

(3)     رواه البخارى في الزكاة باب الاستعفاف عن المسألة (3/427) (حديث-1470)، ومسلم (7/131) في الزكاة باب النهى عن المسألة، كلاهما من حديث أبى هريره، واللفظ للبخارى.

     وفي لفظ )لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه((1).

     وفي لفظ: )لأن يحترم أحدكم حزمة من حطب فيحملها على ظهره فيبيعها خير له من أن يسأل رجلاً يعطيه أو يمنعه((2).

     وقد طبق النبى r هذه التعليمات على نفسه، وضرب لهم مثلاً به وبالأنبياء قبله، فقال: )ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم(، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: )نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة((3).

     إن السنة النبوية أمرت بالعمل ولو قامت القيامة، فيقول r:  )إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة (4)، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل((5).

     وبينت السنة أيضاً-، بأنه لا يجوز الإعراض عن العمل بدعوى التوكل على الله، وانتظار الفرج والرزق منه سبحانه، بل لابد من السعي إليه، وإلا اتبر هذا تواكلاً، لا توكلاً، فشتان بينهما، والتوكل لا ينافي العمل، والأخذ بالأسباب، فقد جاء رجل إلى النبى r فقال: يا رسول الله، إن لي ناقة أعقلها وأتوكل؟ أو أطلقها وأتوكل؟ فقال: )اعقلها وتوكل((6).

(1)     أخرجه البخارى في الباب السابق (حديث-1471) من حديث الزبير.

(2)     أخرجه مسلم في الزكاة باب النهى عن المسألة (7/131) من حديث أبى هريره.

(3)     رواه البخارى في الإجارة باب رعى الغنم على قراريط (4/556)(حديث-2262) من حديث أبى هريره.

(4)     الفسيلة: النخلة الصغيرة.

(5)     رواه أحمد في مسند أنس (3/191) بسند صحيح متصل، رجاله كلهم ثقات.

(6)   رواه الترمذى في أبواب صفة القيامة(رقم2636)، رقم الباب (22) بدون ترجمة، وابن حبان في صحيحه (رقم729) من حديث أنس، واللفظ له، وقال الترمذى: (هذا حديث غريب، من حديث أنس، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد روى عن عمرو بن أميه الضمرى عن النبى r نحو هذا.

 

     وأما قوله r: )لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصاً، وتروح بطاناً((1)، فليس فيه أن التوكل وحده سبب لجلب الرزق، بل لابد من طلبه، وذلك بقوله: (تغدو وتروح)، فعملية الذهاب وهو الخروج- هو في ذاته عمل.

       ×         الطريق الثاني: تهيئة فرص العمل.

     من الناس من يدع العمل والسعى عجزاً عن تدبير عمل لنفسه مع قدرته على العمل وذلك لقلة حيلته، وضعف معرفته بوسائل العيش وطرائق الكسب، وربما كان أهون شئ عليه أن يقعد عن السعى، ويضع عبء نفسه وأسرته على الحاكم المسئول، الذي عليه أن يدبر له معونة تكفيه وتغنيه، فقد بينت السنة أنه إن تيسر له فرصة للعمل ولو كانت متدنية، إذا كانت تسد فاقته، وتحفظ له ماء وجهه فهو خير له من التسول أو البطالة.

 

 

 

 

 

 

 

(1)   أخرجه الترمذى في الزهد (حديث 2447) باب ما جاء في الزهادة في الدنيا، وابن ماجه (حديث 4164) في الزهد باب التوكل واليقين (2/1394) وابن حبان في صحيحه رقم (728) من حديث ابن عم، وقال الترمذى: (حديث حسن صحيح).

     فعن أنس بن مالك: أن رجلاً(1) من الأنصار أتى النبى r فقال (أما في بيتك شئ؟ قال: بلى، حلس (2): نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقعب(3): نشرب فيه من الماء، فقال النبى r: (إئتني بهما، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله r بيده وقال: (من يشترى هذين؟)، قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: (من يزيد على درهم؟) مرتين أو ثلاثاً- قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري، وقال: (اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه(4) إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً، فائتني به)، فأتاه

به، فشد فيه رسول الله r عوداً بيده، ثم قال له: (اذهب فاحتطب، وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوماً). فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً، وببعضها طعاماً، فقال رسول الله r: هذا خير لك من أن تجئ المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاث: لذى فقر مدقع(5) أو لذي غزم مفظع(6)، أو لذي دم موجع)(7).

     ففي هذا الحديث الناصع نجد النبى r لم ير للأنصاري السائل أن يأخذ من الزكاة، وهو قوي على الكسب، ولا يجوز له ذلك إلا إذا ضاقت أمامه المسالك، وأعيته الحيل، وعلى ولى الأمر أن يعينه في إتاحة الفرصة للكسب الحلال، وفتح باب العمل أمامه.

(1)    رواه أبو داود في الزكاة باب ما تجوز فيه المسألة (حديث1641)، وابن ماجه في التجارات (حديث2198) باب بيع المزايدة (2/740)، وأحمد في المسند (3/114،126،127) وحسنه السيوطى في الجامع الصغير (حديث 2115)، وبين المناوى في شرحه للجامع: بأن في سنده الأخضر بن عجلان، ونقل عن ابن معين قوله فيه: صالح. وعن أبى حاتم بأنه يكتب حديثه: قلت: قال ابن حجر في التقريب (1/50): (صدوق).

(2)     الجلس: الكساء الذي على ظهر البعير، تحت القتب (النهاية في غريب الحديث 1/423).

(3)     القعب: القدح الضخم، وقيل: قدح من خشب مقعر.

(4)     نبذت الشئ إذ رميته وأبعدته (النهاية 5/6).

(5)     المدقع: أى شديد يفضى بصاحبه إلى الدقعاء، وقيل: هو سوء احتمال الفقر (النهاية2/127).

(6)     المفظع: الشديد الشنيع (النهاية3/459).

(7)     اسم فاعل من أوجع يعني: ما يتحمله الإنسان من الدية، فإن لم يتحملها وإلا قتل، فيوجعه القتل (فيض القدير 2/390).

 

     إن هذا الحديث يحتوى على خطوات سباقة، سبق بها الإسلام كل النظم التي لم تعرفها الإنسانية إلا بعد قرون طويلة من ظهور الإسلام، إنه لم يعالج مشكلة السائل المحتاج بالمعونة المادية الوقتية، كما يفكر كثيرون، ولم يعالجها بالوعظ المجرد والتنفير من المسألة، كما يصنع آخرون، ولكنه أخذ بيده في حل مشكلته بنفسه، وعلاجها بطريقة ناجحة، وعلمه أن يستخدم كل ما عنده من طاقات وان صغرت، وأن يستفيد مما يملك من حيل وإن ضؤلت، فلا يلجأ إلى السؤال وعنده شئ يستطيع أن ينتفع به في تيسير عمل يغنيه، وعلمه أن كل عمل يجلب رزقاً حلالاً هو عمل شريف كريم، ولو كان احتطاب حزمة، يجتلبها فيبيعها، فيكف الله بها وجهه من أن يراق ماؤه في سؤال الناس، وأرشده إلى العمل الذي يناسب شخصه وقدرته وظروفه وبيئته، وهيأ له آلة العمل، ولم يدعه تائهاً جيران، وأعطاه خمسة عشر يوماً يستطيع أن يعرف منه بعدها مدى ملاءمة هذا العمل له، ووفاء بمطالبة، فيقره عليه، أو يدبر له عملاً آخر.

     وبعد هذا الحل العملي لمشكلته، لقنه الدرس النظري الموجز البليغ في الزجر عن المسألة، والترهيب منها، والحدود التي تجوز في دائرتها: (لذي فقر مدقع، أو لذي غزم مفظع، أو لذي دم موجع).

     وحبذا لو اتبعنا نحن هذه الطريقة النبوية الرشيدة، فقبل أن نبدأ ونعيد في محاربة التسول بالكلام والمواعظ، نبدأ أولاً بحل المشاكل، وتهيئة العمل لكل عاطل (1).

     وفي هذا الحديث: دلالة واضحة على أنه قبل أن يوضع المتسول أو البطال في بند الصدقات لابد من تأمين العمل له.

 

 

(1)     مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام للقرضاوى (ص51-52).

     والجدير بالذكر هنا: أن التعويض عن البطالة والتسول إنما يكون بإيجاد فرص عمل له، فإن كان يكفيه ذلك فهو المطلوب، وإن لم يكن يكفيه لسد حاجته وفاقته الضرورية، فيتكفل بذلك بيت مال المسلمين، يقول r: )أنا أولى بكل مسلم من نفسه، من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك دينا أو ضياعاً فإلي وعلى((1).

       v         أهم صور العمل الذي حثت عليه السنة أو أقرته:

     والمقصود من هذه: الإشارة إلى أن السنة النبوية حين دعت إلى العمل، لم تترك الأمر على عواهنه، وإنما لفتت الأنظار إلى صور كريمة من العمل، ويمكن أن نوجزها على النحو الآتي:

1)   الجهاد في سبيل الله تعالى: وهو مكسب النبى r وأصحابه، وهو أشرف المكاسب، لما فيه من إعلاء كلمة الله تعالى، وخذلان كلمة أعدائه، والنفع الأخروي (2) وفي هذا يقول r: )وجعل رزقي تحت ظل رمحي((3).

     وينشأ عن الجهاد: ملكية السلب، وهو كل ما مع القتيل المشرك الذي يقتله المسلم، وفي الحديث: )من قتل قتيلاً-له عليه بينة-فسلبه له((4).

 

(1)     متفق عليه من حديث أبى هريره، واللفظ لمسلم، وسيأتي تخريجه في طرق معالجة التسول في ضوء السنة النبوية.

(2)     فتح البارى (4/381).

(3)   أخرجه أحمد في مسند ابن عمر (2/50)، وهو قطعة من حديث طويل، وفي إسناده: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، مختلف في توثيقه، وله شاهد مرسل بإسناد حسن، أخرجه ابن أبى شيبة كما في الفتح (6/122).

(4)     رواه البخارى في فرض الخمس باب من لم يخمس الأسلاب (6/303)(حديث 3142) ومسلم في الجهاد- باب استحقاق القاتل سلب القتيل (12/59) واللفظ له.

     كما ينشأ عنه: ملكية الغنيمة، أربعة أخماسها للمحاربين وخمس لله والرسول، كما في قوله تعالى ]واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول[(1).

2)   رعى الغنم: يقول نصر بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون: افتخر أهل الإبل وأهل الغنم، فقال رسول الله r: )بعث موسى وهو راعي غنم، وبعث داود وهو راعي غنم، وبعثت أنا أرعى غنم أهلي بجياد((2).

3)   استخراج ما في باطن الأرض من المعادن (الركاز)(3): وهذا العمل يجعل أربعة أخماس ما يستخرج من معدن ملكاً لمن استخرجه، والخمس زكاة، إذا كان هذا الركاز مباحاً يحصل عليه الفرد بجهده وكده، وفي هذا يقول r: )وفي الركاز الخمس((4).

4)   التطيب والتعليم: عن ابن عباس مرفوعاً: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله تعالى)(5). والأجر يشمل التعليم والتطيب، وقد استدل جمهور العلماء بحديث ابن عباس هذا على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن (6). وقال  r للذين سألوه عن أخذ الأجرة على الرقية بفاتحة الكتاب: )خذوها، واضربوا لي بسهم((7).

(1)     الأنفال (آية41).

(2)     رواه النسائي في كتاب التفسير من سننه الكبرى (تحفة الأشراف 9/8 رقم 11591) بإسناد صحيح

(3)     وهو دفين الجاهلية هكذا فسره الجمهور، وفسره أبو حنيفة وغيره من أهل العراق بأنه المعدن (شرح النووى على مسلم 11/226).

(4)     رواه البخاري في الزكاة باب في الركاز الخمس (3/464) (حديث 1499) ومسلم في آخر كتاب الحدود (11/226) كلاهما من حديث أبى هريره.

(5)     أخرجه البخارى في الطب باب الشروط في الرقية بفاتحة الكتاب (10/244) (حديث 5737) وفي الحديث قصة.

(6)     انظر: فتح البارى (10/243).

(7)     أخرجه البخارى في الطب باب الشروط في الرقية بفاتحة الكتاب (10/244) (حديث 5736).

5)   الحجامة: عن ابن عباس قال: (احتجم رسول الله r، وأعطى الذي حجمه أجره، ولو كان حراماً لم يعطه)(1). والذي حجمه هو أبو طيبة نافع فأمر له بصاعين من طعام (2). ولن عباس: يرد على من زعم أنه لا يحل إعطاء الحجام أجرته، ومذهب الجمهور أنه جائز، عملاً بهذا الحديث (3).

6)      الصناعة المتمثلة في النجارة والحدادة والحياكة وآلات الحرب ونحوها:

     فقد قال r لامرأة من الأنصار: )مرى غلامك النجار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليهن إذا كلمت الناس((4).

     وانطلق رسول الله  r إلى بيت أبى سيف وكان قيناً (أى حداداً) وهو ينفخ بكيره وقد امتلأ البيت دخاناً، فقالت أم سيف: يا أبا سيف، أمسك، جاء رسول الله  r(5).

     وعملت امرأة بالنسيج، فقدمت بردة إلى النبى  r فأخذها، وقالت له: (إني نسجت هذه بيدي أكسوكها)(6). وقال  r: )إن الله عز وجل يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر

 

 

(1)   رواه البخارى في البيوع باب ذكر الحجام (4/408) (حديث 2103) وفي الإجارة- باب خراج الحجام (4/578) (حديث 2279) ومسلم في المساقاة، باب حل أجرة الحجام (10/243) واللفظ لمسلم.

(2)     صحيح البخارى (4/407)، وصحيح مسلم (10/242).

(3)     انظر: سبل السلام (3/80).

(4)     رواه البخارى في كتاب الجمعة من صحيحه، باب الخطبة على المنبر (2/504) (رقم 917).

(5)     انظر: صحيح البخاري كتاب الجنائز، باب قول النبى r: إنا بك لمحزونون (3/222) وصحيح مسلم في الفضائل، باب رحمته r (15/74-75).

(6)     رواه البخارى في اللباس باب البرود والحبر (10/338) (حديث 5809).

الجنة: صانعه: -يحتسب في صنعته الخير-، والرامي به، ومنبله((1).

7)      التجارة المتمثلة في البيع والشراء والسلم والمضاربة، ونحو ذلك:

     يقول r: )التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء((2).        وقد عمل نبينا محمد r بالمضاربة (3) في مال خديجة، حتى يكفي نفسه، ويحقق لصاحب المال ربحاً كما هو معروف. ولا خلاف بين المسلمين في جواز القراض (4). وأنه مما كان في الجاهلية فأقره الإسلام (5).

8)   الزراعة: المتمثلة في الماقاة(6) والمزارعة والمخابرة، وكراء الأرض وإحياء الأرض الميتة، ونحو ذلك: يقول r )ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل من طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة((7).

(1)    رواه أبو داود في الجهاد، باب في الرمي (رقم2513) والترمذى في الجهاد، باب ما جاء فضل الرمي (رقم1687) والنسائي في الجهاد في آخر باب ثواب من رمي بسهم (6/28)، وفي كتاب الخيل باب تأديب الرجل فرسه (6/223)، وابن ماجه في الجهاد، باب الرمي في سبيل الله (حديث 2811)، والدرامي في الجهاد باب فضل الرمي (2/204)،وأحمد (4/154) وابن خزيمه في صحيحه (4/113) (حديث 2478)، والطبرانى في الكبير (17/رقم939،941)، وعبد الرزاق في المصنف رقم (19522)، والحاكم في المستدرك (1/417-418) كلهم من حديث عقبه، واللفظ للنسائي. قال الترمذى: (هذا حديث حسن صحيح). وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمى في المجمع (4/329) في سند أحمد: (ورجاله ثقات).

(2)    رواه الترمذى في البيوع، باب ما جاء في التجار (حديث 1227)، والدرامي في البيوع، باب في التاجر الصدوق (2/247) كلاهما من حديث أبى سعيد. وقال الترمذى: (حديث حسن)، وأخرجه ابن ماجه في التجارات باب الحث على المكاسب (حديث 2139) من حديث ابن عمر نحوه، وفيه كلثوم بن جوشن الرقى القشيرى، وهو ضعيف، كما في التقريب (2/136).

(3)     وهي معاملة العامل بنصيب من الربح، وأهل الحجاز يسمون هذه المعاملة بالقراض بكسر القاف- أو المقارضة.

(4)     أى المضاربة.

(5)     انظر سبل السلام (3/77).

(6)    المساقاة: هي القيام على الشجر المثمر: كالنخيل، والعنب، لسقيه وخدمته بجزء معلوم من ثمره للقائم بذلك. المزارعة: هي العمل في الأرض، بجزء مما يخرج منها، والبذر من مالك الأرض. والمخابرة: قيل: هي بمعني المزارعة، وقيل: المزارعة: يكون البذر فيها من مالك الأرض، والمخابرة: يكون البذر من العامل (سبل السلام 3/77).

(7)     رواه البخارى في الحرث والمزارعة باب فضل الزرع والغرس (5/3) (حديث 2320).

     وقد عامل النبى r أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع(1) وكان الصحابة رضى الله عنهم في عهد رسول الله r- يكرون الأرض بأجرة معلومة من الذهب والفضة، وقد بوب البخارى في صحيحه على ذلك فقال في كتاب الحرث والمزارعة: (باب كراء الأرض بالذهب والفضة)(2).

     وأما الكراء الذي نهى عنه النبى r فهو ما كان فيه غرر أو جهالة(3) وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث ثابت ابن الضحاك: أن النبى r أمر بالمؤاجرة(4).

     وكذلك حثت السنة على منح الأرض للعاطل أو الفقير بغير مقابل، ليستغلها في الزراعة، يقول r: )من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه((5). ويقول: )من كانت له أرض فليهبها، أو ليعرها((6).

     كما لفتت السنة أنظار العاطلين إلى إحياء الأرض الميتة(7).

ويقول r: )من أحيا أرضاً ميتة فهي له((8). ويقول: )من عمر أرضاً ليست لأحد

(1)     انظر: صحيح البخارى، كتاب الحرث والمزارعة باب المزارعة بالشطر- ونحوه (5/16) (حديث 2329)، وصحيح مسلم في أول كتاب الماقاة والمزارعة (10/208).

(2)     انظر: صحيح البخارى كتاب الحرث والمزارعة (رقم الباب 19) (5/31).

(3)     انظر: فتح البارى (5/31).

(4)     صحيح مسلم، كتاب البيوع باب كراء الأرض (10/207).

(5)     رواه مسلم في الباب السابق (10/201) من حديث أبى هريره.

(6)     رواه مسلم في الباب السابق (10/200) من حديث جابر.

(7)    والإحياء: (أن يعمد الشخص لأرض لا يعلم تقدم ملك عليها لأحد، فيحييها بالسقى أو الزرع أو الغرس أو البناء، فتصير بذلك ملكه، سواء كانت فيما قرب من العمران أم بعد، سواء أذن له الإمام في ذلك أم لم يأذن، وهذا قول الجمهور، وعن أبى حنيفة لابد من إذن الإمام مطلقاً (فتح الباري 5/22).

(8)    رواه أبو داود في الإمارة باب إحياء الموات (حديث 3073)، والنسائي في إحياء الموات في الكبرى (تحفة الأشراف 4/9)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/99)، وأبو يعلى (حديث 953) من حديث (تحفة الأشراف 4/9)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/99)، وأبو يعلى (حديث 953) من حديث سعيد بن زيد. والترمذى في الأحكام، باب ما ذكر في إحياء أرض الموات (حديث 1395)، وأبو عبيد في الأموال (حديث 362) من حديث جابر. والطبراني في الكبير (حديث 10935) من حديث ابن عباس وقال الترمذى: (هذا حديث حسن صحيح). وقال ابن حجر في الفتح(5/23) بأن له شواهد يتقوى بها.

فهو أحق بها((1)، ويقول: من أحيا أرضاً ميتة فله لها أجر، وما أكلت العافية يعني الطير والسباع- فهو له صدقة (2).

     فهذه الأحاديث تقطع الطريق على كل متبطل لا يعمل، فإن اعتل بعلة عدم وجود عمل، فنقول: العمل مبذول لمن يريد، وعلى من شاء العمل أن يعمد إلى مثل هذه الوسائل، التي منها: إحياء الأرض الميتة، والتي من شأنها أن تغنيه عن المذلة والسؤال.

9)      حرف أخرى كالسقاية والمحاملة ونحو ذلك:

     وكان العباس بن عبد المطلب يقوم على سقاية الحجيج، وقد أذن له  r: أن ينصرف من منى، وأن لا يبيتفيها(3).

     وعن أبى مسعود الأنصاري قال: وكان رسول الله r إذا أمرنا بالصدقة، انطلق أحدنا إلى السوق فيحامل (4). أى يحمل بالأجرة، وقد بوب البخاري في صحيحه على ذلك بقوله: (باب من آجر نفسه ليحمل على ظهره ...)(5).

     ولعل قائلاً يقول: ما وجه الدلالة من السقاية والحدادة والمحاملة على أنها طريق من طرق معالجة البطالة؟ ونقول: إن هذه المهن بطبيعتها تشعر بكونها وضيعة، والحقيقة: أنها في نظر الشارع الحكيم ليست كذلك، بدليل أن النبى  r رأى أصحابها وتعامل معهم، وسكت عن أعمالهم هذه، فكان هذا إقراراً منه بجواز العمل في مثل هذه المهن من غير حرج.

(1)     رواه البخارى في الحرث والمزارعة، باب من أحيا أرضاً مواتاً (حديث 2335).

(2)     رواه أحمد (3/356)، وأبو يعلى (رقم1799))، وابن حيان (موارد الظمآن رقم278) من حديث جابر. وإسناد الحديث صحيح، على شرط مسلم.

(3)     انظر: صحيح البخارى في الحج، باب هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي متى؟ (3/738) (حديث 1745).

(4)     انظر: صحيح البخارى، كتاب الإجارة (4/568) (حديث 2273).

(5)     انظر: المرجع السابق رقم الباب (13).

       ×         الطريق الثالث: تحريم الصدق على غنى أو قادر على العمل.

     وفي ذلك يقول  r: )لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوى((1). وذو المرة السوي: هو السليم الأعضاء، القوي، المتبطل، الكسول الذي لا يعمل، ويعيش على صدقات الناس وزكواتهم، ويأكلها حراماً، لأنها مال الفقراء والمساكين، والمتبطل القادر على العمل، لا تحل له الصدقة.

     ويقول  r: )لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة:

1-   لغاز في سبيل الله.

2-   أو لعامل عليها.

3-   أو لغارم.

4-   أو لرجل اشتراها بماله.

5-   أو لرجل كان له جار مسكين، فتصدق على المسكين، فأهداها المسكين للغني((2).

 



 

(1)   رواه أبو داود في الزكاة باب من يطي من الصدقة وحد الغني (حديث 1634)، والترمذى في الزكاة- باب ما جاء من لا تحل له الصدقة (حديث 647)، والنسائي في الزكاة- باب إذا لم يكن له دراهم وكان له عدلها (5/99)، وابن خزيمة في صحيحه (4/78) (حديث 2378) والدارقطني في سننه (2/118) كلهم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. قال الترمذي: (حديث حسن).

(2)   أخرجه مالك في الموطأ (1/177) (حديث 29) مرسلاً، ورواه أبو داود في الزكاة باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني (حديث 1636) بإسناد صحيح متصل، وكذا ابن ماجه (رقم 1842) وبان خزيمة (4/71) (حديث 2374) والدار قطني (2/122) كلهم من حديث عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدري.

       ×         الطريق الرابع: الوقف الخيري.

       ¨         الوقف في اللغة: الحبس، وقفت الدار: حبستها (1).

وشرعاً: (هو حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح) (2).

والأصل فيه: حديث ابن عمر قال: (أصاب عمر أرضاً بخبير، فأتى النبى  r يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضاً بخيبر، لم أصب مالاً قط- هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها. قال فتصدق به عمر، أنه لا يباع أصلها، ولا يبتاع، ولا يورث، ولا يوهب، قال: فتصدق عمر في الفقراء، وفي القريب، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير متمول فيه) (3).

     وهذا أول وقف في الإسلام، وهو من خصائص هذا الدين، ولم تكن الجاهلية تعرف هذا، وكان له أثر كبير ملموس في كل العصور الإسلامية، حيث وجد المحرمون فيه ما يقيهم الجوع، والعرى، والأمراض، وحيث قلل من البطالة وجعل الحياة تنشط بالعمل.

     ولقد حثت السنة عليه، فقد روى أبو هريره  t: أن النبى  r -قال: )إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له((4).

(1)       انظر: القاموس المحيط مادة وقف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق