السبت، 28 يوليو 2012

طرق معالجة التسول في القوانين الوضعية المعاصرة نقدها

طرق معالجة التسول في القوانين الوضعية المعاصرة نقدها

     لم تعالج أنظمة الضمان الاجتماعي في القوانين الوضعية موضوع التسول، لأنه ليس من أصحاب الحاجات، غاية ما في الأمر، أنها اعتبرت التسول وصفاً غير أخلاقي؛ لأن فيه مظنة من يدعى الحاجة وليس أهلاً لذلك، وقد نصت معظم القوانين على إلحاق العقوبة بالمتسول. فنجد مثلاً في القانون: يعتبر التسول جريمة يعاقب عليها القانون، وتفصيل ذلك كما يأتي:

   ·    أولاً: (يعاقب من وجد متسولاً في الطريق العام، أو المحال العمومية، أو الأماكن العمومية، حالة كونه صحيح البنية، ويبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً فأكثر، بالحبس لمدة لا تتجاوز شهرين).

   ·    ثانيا: ويعاقب من وجد متسولاً في الطريق العام، حالة كونه غير صحيح البنية، وغير قادر على العمل، ويبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً فأكثر، في مدينة نظمت بها ملاجئ يمكن إلحاقه بها، بالحبس مدة لا تتجاوز شهراً.

        ·          ثالثاً: ويعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة شهور كل من ارتكب الجرائم الأتية:

1-    من وجد متسولاً وهو صحيح البنية- وتصنع الإصابة بجروح أو عاهات، أو أى طريقة أخرى، لاكتساب عطف الجمهور.

2-    من دخل منزلاً أو ملحقاً بدون إذن، ويقصد التسول.

3-    من وجد متسولاً ومعه أشياء تزيد قيمتها على مائتي قرش، ولم يستطع إثبات مصدرها.

4-    من أغرى حدثاً يقل سنه عن ثمانية عشر عاماً على التسول، أو استخدامه أو سلمه لغيره بقصد التسول.

   ·    رابعاً: ويعاقب كل من كان مسئولاً عن الحدث، سواء بصفته ولياً، أو وصياً، أو مكلفاً بملاحظة حدث تقل سنه عن ثماني عشرة سنة، وأغراه على التسول بالحبس من ثلاثة شهور إلى ستة شهور.

        ·          خامساً: ويعاقب في حالة العود بالنسبة لأى جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون التسول بالحبس لمدة لا تتجاوز سنة (1).

     وكذلك القانون الفرنسي فقد نص على معاقبة المتسول، فقد جاء في المادة (227) من القانون الجنائي فقرة (20) ما نصه:

     (Le fait de Provo. quer directment un mineur a la mendicite est puni de deux ans d, emprisonnement et de 300000f.d,amende.

      Larsqu, il s,agit d,un mineur de quin Ze ans, 1, infraction de finie par le present article est punie de trois ans d,emprisonnement et de 500000f.d,amende. Trav.l.261-3).

     (كل من حرض حدثاً لم يكتمل من العمر 18 عاماً بشكل مباشر على القيام بأفعال التسول، يعاقب بالحبس الذي لا يزيد على سنتين، وبالغرامة التي لا تزيد على 300000 فرنك، وإذا كان سن الحدث لا يجاوز 15 سنة تصبح العقوبة الحبس، الذي لا يزيد على ثلاث سنوات، والغرامة التي لا تزيد على 500000 فرنك).

(1)     انظر كتاب: جرائم التشرد والتسول للمستشار عبد الحميد المنشاوي (ص132-133)، وانظر فيه عن كل ما قيل حول هذا الموضوع (ص129-157).

     وكذلك القانون الأمريكي، فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الأعوام من سنة 1800م وما بعدها تجرم التشرد، وتعاقب على التسول، والكسل وكذلك على السمعة السيئة، بل أيضاً على مجرد التسكع في الشوارع، دون وجود سبب مشروع لذلك (1).

     وكذلك القانون الكويتي، فقد جاء في قانون الجزاء الذي وافق عليه مجلس الأمة وهو قانون رقم (3) لسنة 1983م في شأن الأحداث- في الباب الأول تحت عنوان: أحكام عامة: مادة (رقم واحد):

I)            الحدث: كل ذكر أو أنثى لم يبلغ من السن تمام السنة الثامنة عشرة.

II)          الحدث المنحرف: كل حدث أكمل السنة السابعة من عمره، ولم يبلغ تمام الثامنة عشر، وارتكب فعلا يعاقب عليه القانون.

V)         الحدث المعرض للانحراف: يعتبر الحدث معرضاً للانحراف إذا وجد في أى من الحالات الآتية:

1-    إذا وجد متسولاً، أو مارس عملاً لا يصلح مورداً جدياً للعيش.

     نلاحظ أن هذه القوانين قد نصت على إلحاق العقوبة بالمتسول، ولم تنظر إلى حل مشكلته، ولم توجهه الوجهه الصحيحة، ولم ترسم له الطريق السليم، وكان عليها أن تلفت نظر المتسول إلى أن هذا العمل لا يليق بالإنسان السوى، وأنه يجب عليه أن يستخدم جهده، وأن يعمل لحفظ ماء وجهه، وعدم سقوطه في المذلات، وأن تخوفه من الله تعالى، وأن تفهمه أن الذي يسأل وهو غير محتاج إنما يأكل أموال الفقراء والأيتام والمساكين بغير حق، وأن هذا العمل ظلم للآخرين.

(1)     انظر: John m-scheb, crimial law and procedure, west publis-hing company 1989 (p.219)

     إن النظام الإسلامي عندنا نحن المسلمين- يبحث مع التسول- أو ما يبحث- عن الأسباب التي حملت المتسول على السؤال، هل هي مشروعة؟ أو غير مشروعة؟ ثم في نهاية الأمر يعالج هذا المتسول:

       ¨         مرة بلفت النظر إلى أن هذا العمل مشين.

       ¨         ومرة بإيجاد فرصة عمل له.

       ¨         ومرة بإعطائه كفايته إن كان صحيحاً ما يدعيه.

       ¨         ومرة بالتخويف من عاقبة هذا السؤال في الدنيا والآخرة، وبأنه سحت، وأنه خموش وكدوح، في وجه السائل يوم القيامة.

   ¨    آخر الأمر يكون العقاب إذا ما ثبت كذبة وادعاؤه، والعقاب هنا متروك لولي الأمر، أو نائبه، يقدره حسب حجم الآثار المترتبة على السؤال، فليس له شئ ثابت، وإنما يختلف من شخص إلى شخص، ومن بيئة إلى بيئة حسب واقع الحال.

     ونحن لا ننكر معاقبة المتسول انتهاء- بعد ثبوت كذبة واختلافه للأعذار، واعتدائه على حقوق الفقراء، لكن ننكر أن يكون البدء بعاقبة، فالعقاب يكون آخر شئ، وآخر الطب الكي.

     والحاكم الإسلامي يوقع به تعزيزاً، كأن يضعه في السجن، أو في مكان آخر، ويوفر له طعامه وشرابه، ونحو ذلك، وخلال ذلك يعلمه مهنة أو حرفة أو إذا كان له حرفة، يوجد له عملاً؛ لكي يتعود بذل الجهد والكسب والعمل، وبعد فترة من الزمان ينسى المتسول الذي كان فيه من التسول ونحو ذلك، فعلاج التسول عن طريق العقوبة ابتداء في القانون الوضعي يعتبر نقطة ضعف؛ لأنه لم يعالج المسألة إلا بالعقاب، وكأنه ليس عنده إلا هذه الوسيلة الواحدة، والواقع كما قلنا-: أن العقاب آخر ما يفكر فيه، لا أول ما يبدأ به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق