السبت، 28 يوليو 2012

: الحث على الصدقة والإنفاق والتحذير من البخل

     دعت السنة إلى البذل والإنفاق وحضت عليه، يقول  r: )ما تصدق أحد بصدقة من طيب، لا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربى أحدكم فلوه أو فصيلة((3).

(1)     سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم (ص59).

(2)   رواه البخارى في الزكاة باب الصدقة من كسب طيب (3/354) (حديث 1410) ومسلم في الزكاة باب كل نوع من المعروف صدقة (7/98-99)، قال النووى في شرح مسلم (7/99): (وفي الفلو لغتان فصيحتان، أفصحهما وأشهرهما: فتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو. والثانية: كسر الفاء وإسكان اللام. تخفيف الواو .. والفلو:المهر، سمى بذلك، لأنه فلى عن أمه، أى فصل وعزل. والفصيل: ولد الناقة إذا فصل من إرضاع أمه.

     ويقول: )كل سلامى(1) من الناس عليه صدقة(2)(. ويقول: )كل معروف صدقة((3). والمعروف: ضد المنكر، هو ما عرف بأدلة الشرع، أنه من أعمال البر، سواء جرت به العادة أم لا، فإن قارنته النية أجر صاحبه جزماً وإلا ففيه احتمال.

     والصدقة هي: ما يعطيه المتصدق لله تعالى: فتشمل الواجبة والمندوبة، والإخبار عنه أى المعروف- بأنه صدقة من باب التشبيه، وهو إخبار بأن له حكم الصدقة في الثواب، وأنه لا يحتقر الفاعل شيئاً من المعروف، لا يبخل به(4).

     ويقول  r: )كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس، أو قال حتى يحكم بين الناس((4). ويقول: )الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ النار الماء((5)، ويقول: )إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء((6) أى العواقب السيئة.

(1)   بضم المهملة وتخفيف اللام: أى أنملة، وقيل: كل عظم مجوف صغير. والمعنى: على كل مسلم مكلف بعدد كل مفصل من عظامه صدقة لله تعالى على سبيل الشكر له بأن جعل عظامه مفاصل يتمكن بها من القبض والبسط. انظر فتح البارى (6/163).

(2)   رواه البخارى في الصلح، باب فضل في الإصلاح بين الناس (5/387) (حديث 2707)، ومسلم في الزكاة باب كل نوع من المعروف صدقة (7/94) كلاهما من حديث أبى هريره.

(3)   قال المناوى في فيض القدير (5/32)/: (قال السيوطى: هذا حديث متواتر). رواه البخارى في الأدب باب كل معروف صدقة (10/548) (حديث 6021) من حديث جابر، ومسلم في الزكاة باب كل نوع من المعروف صدقية (7/91) من حديث حذيفة بن اليمان.

(4)     انظر ما سبق في سبل السلام (4/167-168).

(5)     رواه أحمد (4/147-148)، وابن خزيمة (رقم2431)، وابن حبان (رقم3299)، والطبرانى في الكبير (7/رقم771). ورجال أحمد ثقات (مجمع الزوائد 3/110).

(6)   رواه الترمذى في الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة (رقم2749) وابن ماجه (رقم3973) في الفتن، باب كف اللسان في الفتنة، والطبرانى في الكبير (19/رقم357) من حديث كعب بن عجرة هو حديث طويل- وسنده صحيح.

     ويقول: )ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان. فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم اعط ممسكاً تلفاً((1).

     وعن ابن مسعود قال: دخل النبى   r على بلال وعنده صبره(2) من تمر، فقال: )ما هذا يا بلال؟، قال: أعد ذلك لأضيافك(.

     فقال: أما تخشى أن يكون لك دخان في نار جهنم؟ أنفق بلال، ولا تخش من ذي العرس إقلالاً(3). ويقول   r: )ما نقصت صدقة من مال((4). ويقول: r: )لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله القرآن، فهو يتلوه أناء الليل، وأناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً، فهو ينفقه آناء الليل، وآناء النهار((5).

     كما حذرت السنة من البخل والشح، يقول: r: )واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلو محارمهم(6)، ويقول: لا يجتمع شح وإيمان في قلب عبد أبداً((7).

(1)     رواه البخارى في الزكاة (رقم الباب 27) (3/439) (حديث 1442) ومسلم في الزكاة، باب كل نوع من المعروف صدقة (7/95) كلاهما من حديث أبى بن كعب.

(2)     الصبرة: الطعام المجتمع كالكومة جمعها صبر (النهاية 3/9).

(3)    رواه البزار (مختصر زوائد البزار رقم2278،2280)، والطبرانى في الكبير (1/359) (رقم1098) و(1/340) (رقم1020،1024،1025،1026) و(10/192) رقم (10300)، وفي الأوسط (رقم2593)، وأبو يعلى في مسنده (10/429-430) (رقم6040)، وأبو نعيم في الحلية (6/2746)، والأصبهانى في الترغيب (رقم2077)، وحسن الحديث ابن حجر في مختصر زوائد البزار (2/294)، والسيوطى في الجامع الصغير (رقم2746)، ووافقه المناوى في فيض القدير (3/61).

(4)     رواه مسلم في البر باب استحباب العفو والتواضع (1614).

(5)     رواه البخارى بهذا اللفظ- في صحيحه- كتاب التوحيد رقم الباب (45) (حديث 7528) (13/614) من حديث أبى هريره.

(6)     رواه مسلم في البر باب تحريم الظلم (16/134) من حديث جابر، أوله (اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. واتقوا ..).

(7)     رواه النسائى في الجهاد، باب فضل من عمل في سبيل الله على قدمه (6/13) من حديث أبى هريره من طريقين، أحدهما رجاله ثقات.

       ×         الطريق الخامس: الحث على قضاء حوائج المحتاجين.

     لقد حثت السنة النبوية على القيام برعاية المنكوبين والمكروبين وإسعاف المحتاجين والجائعين والقيام على شئونهم؛ لسد حاجاتهم، يقول  r: )المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة((1). سواء ستره بنفسه أو بغيره بأن سعى في العمل على ستره من قبل الآخرين. ويقول: )والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه((2). ويقول  r: )إن الله عباداً اختصهم بحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله((3)، ويقول: )أفضل الأعمال: أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً، أو تقضى عنه ديناً، أو تطعمه خبزاً((4). وفي لفظ  )أفضل الأعمال: إدخال السرور على مؤمن، أشبعت جوعته، أو كسوت عريه، أو قضيت له حاجة((5).

(1)     رواه البخارى في المظالم، باب لا يظلم المسلم .. (رقم2442)، ومسلم في البر، باب تحريم الظلم (16/134) كلاهما من حديث ابن عمر.

(2)     رواه مسلم في حديث طويل (17/21) في الذكر، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن من حديث أبى هريره.

(3)    رواه الطبرانى في الوسط (رقم5158) نحوه بلفظ: (إن لله عباداً اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرهم فيها ما بذلوها، وإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم). ورواه البيهقى في شعب الإيمان(رقم7662) كلاهما من حديث ابن عمر من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعى به. والوليد: ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية (التقريب 2/336) وقد دلس، لكن تابعه عبد الله بن زيد الحمصى عن الأوزاعى عند الطبرانى، والأصبهانى في الترغيب (رقم1171). وعبد الله: ضعفه الأزدى كما في الميزان (2/425) وبقية الرجال ثقات. وعزاه السيوطى في الجامع الصغير (رقم1236) ورمز له بالضعف، وتعقبه المناوى في الفيض (2/26) بأنه حديث حسن. وانظر صحيح الجامع الصغير (رقم1107) والسلسلة الصحيحة (رقم1494).

(4)    رواه ابن أبى الدنيا في فضل حوائج الإخوان والبيهقى عن أبى هريره وابن عدى عن ابن عمر (الجامع الصغير رقم1236) ورمز له بالضعف، وتعقبه المناوى في الفيض (2/26) بأنه حديث حسن. وانظر: صحيح الجامع الصغير (رقم1107) والسلسلة الصحيحة (رقم1494).

(5)     رواه الطبرانى في الأوسط (رقم 5077) من حديث ابن عمر. وفي سنده: كثير النواء، وهو ضعيف، كما في التقريب (2/131).

       ×         الطريق السادس: توفير الكفاية وجوباً من غير طريق الزكاة والصدقة.

     إن الزكاة هي الحد الأدنى المفروض في الأموال حين لا تحتاج الجماعة المسلمة إلى غير حصيلة الزكاة، فأما حين لا تفي، فإن الإسلام لا يقف مكتوف اليدين، بل يمنح الإمام الذي ينفذ شريعة الإسلام سلطات واسعة للتوظيف في رؤوس الأموال، أى الأخذ منها بقدر معلوم في الحدود اللازمة للإصلاح.

     وللفرد المسلم في المجتمع المسلم أن يوفر له كفايته وحاجاته الضرورية، ومن يعول، وحد الكفاية: هو ما أبانه   r بقوله: )ليس لابن آدم حق فوق هذه الخصال:

1)     بيت يسكنه.

2)     وثوب يوارى عورته، وجلف(1) الخبز والماء( (2).

     واتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليه(3). وروى الترمذى(4) من حديث فاطمة بنت قيس قالت: سألت أو سئل النبى  r عن الزكاة؟ فقال: )إن في المال لحقاً سوى الزكاة(- ثم تلا هذه الآية التي في البقرة (آية رقم177): ]ليس(5) البر أن تولوا وجوهكم[.

(1)     قال الهروى: الجلف: (بكسر الجيم وسكون اللام) ههنا: الظرف مثل الخرج، يريد ما يترك فيه الخبز، كذا في النهاية (1/287).

(2)     رواه الترمذى في الزهد، باب ما جاء في الزهادة في الدنيا (رقم2443) وقال: (هذا حديث صحيح).

(3)     انظر: فقه السنة (1/485).

(4)   في الزكاة باب ما جاو أن المال حقاً سوى الزكاة (رقم654). ورواه الدارمى (1/385) كلاهما من طريق شريك، عن أبى حمزة، عن الشعبي، عن فاطمة به، وقال الترمذى: (هذا حديث إسناده ليس بذاك، وأبو حمزة ميمون الأعور يضعف).

(5)     بإثبات الواو مع ليس والآية بحدفها.

     ووجه الدلالة من الآية: أنها جعلت من أركان البر: إيتاء المال لذوى القربى واليتامى والمساكين، وغيرهم، وعطفت على ذلك إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فدلت على أن الإيتاء الأول غير الزكاة، وهو من أركان البر، وعناصر التقوى، وذلك دليل الوجوب(1).

     قلت: لأن الأصل في العطف والمغايرة، وإلا فيعتبر ذلك تكراراً. والحديث وإن كان فيه مقال فقد دل على صحته معنى ما في هذه الآية(2).

     إن أخذ الأموال من الأغنياء غير الزكاة- بقدر ما يسد الحاجة ويحقق المصلحة، يتفق هذا كل الاتفاق- مع روح الشريعة الإسلامية ومقاصدها، والمجتمع المسلم مجتمع واحد لا مجتمعات، وجسد واحد لا أجساداً، وقد صور لنا النبى r هذا المجتمع بقوله: )مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى((3).

     قال: )المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً((4)، وقال: )بأن المسلم لا يُسلم أخاه، ومن تركه يجوع ويعرى، وهو قادر على إطعامه وكسوته وإيوائه، فقد أسلمه، وخانه، ولم ينجده، وما رحمه، ومن لا يَرحم لا يُرحم((4).

 

(1)     انظر: مشكلة الفقر للقرضاوى (ص120-121).

(2)     انظر: فقه السنة (ص485).

(3)     رواه البخارى في الأدب، باب رحمة الناس (10/537)، (حديث 6011)، ومسلم في البر، باب تراحم المؤمنين (16/140) كلاهما من حديث النعمان. واللفظ لمسلم.

(4)   رواه البخارى في المظالم، باب نصر المظلوم (5/125) (حديث 2446)، ومسلم في البر باب تراحم المؤمنين (16/139)، كلاهما من حديث أبى موسى الأشعرى. وزاد البخارى وشبك بين أصابعه.

     إن السنة النبوية أكدت على التكافل والتضامن، وحثت على التعاون والتحابب، وحذرت من مغبة الأثَرَة، وعدم الشعور بالآخرين، يقول  r: )ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه- وهو يعلم به((1).

     وفي هذا الحديث: دلالة واضحة على أنه يحرم على الجار الغني أن يدع جيرانه جائعين، فيجب عليه أن يقدم إليهم ما يدفعون به الجوع، وكذلك ما يكتسون به إن كانوا عراة، ونحو ذلك من الضروريات. وفي الحديث: إشارة إلى أن المال حقاً سوى الزكاة، فلا يظن الأغنياء أنهم قد برئت ذمتهم بإخراجهم زكاة أموالهم سنوياً، بل عليهم حقوق أخرى لظروف وحالات طارئة، من الواجب عليهم القيام بها، وإلا دخلوا في وعيد قوله تعالى: ]والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله، فبشرهم بعذاب أليم ... الآية[.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق